"اليشماغ والعقال والجراوية ارث عراقي عريق يجب المحافظة عليه في ظل العصرنة والعولمة

الإهداءات
  • غزل من من قلب الغزل ..:
    ضياءٌ شعَّ من أرض المدينة و زُفَّت البشرى لرسول الله (ص) بولادة سبطه الأول الإمام المجتبى (ع).✨💚
  • غزل من قلب الغزل:
    "يارب دائمًا اعطنّي على قد نيتي وسخر لي الأشخاص اللي يشبهون قلبي🌿✨. .
  • غزل من قلب الغزل:
    مارس الرحمة قدر المُستطاع فكلما تلطفت مع خلق الله زاد الله لطفهُ حولك.💐
  • غزل من قلب الغزل:
    اللهم إنك عفوٌ كريمٌ تحب العفو فاعفو عنا ♥️😌
يمكن القول أنه لا توجد بقعة على وجه الأرض إلا ولها طبيعتها الجغرافية ومناخها وطقسها الذي يحتم طريقة ونمط حياة ساكنيها ودلالة زيي ملبسهم، ولهذا أن كثير من السلوكيات التي نمارسها، والطقوس والمعتقدات التي نؤمن بها، والأزياء التي نرتديها، والرقصات التي نؤديها، تحمل في أحشائها بذوراً من الماضي القديم، وعندما نتبحر ونغطس في مسارات التاريخ، نرى أن الماضي ما زال حياً في امواج انفسنا ومسارات نمط سلوكياتنا وكأننا نعود الى جذورنا، من دون أن نعي ذلك.
لقد شكلت الازياء التقليدية موروثاً وتراثاً وعادات تختلف في تفاصليها وألوانها وطريقة خياطتها وحياكتها وأسلوب لباسها من دولة إلى أخرى، ومن شعب إلى آخر، ومسألة التمسك بها عبر الأجيال المختلفة، تتحكم فيها عوامل كثيرة منها، الطبيعة الجغرافية ومناخها، والثقافة العامة، ومسيرة تطور المجتمع، والتكيف مع تحديات العصرنة والتجديد، وكيفية مجابهة مسارات زمن العولمة الذي نعيشه الآن والتكيف معه، فلا يوجد ما يمنع من مواكبة حاضر يومنا وما يليه من الايام القادمة شريطة الحفاظ على تراث الماضي العريق، حتى لا يزول او يندثر.
كان الإنسان العراقي أقدم من عرف الملابس والأزياء وتفنن في صنعها، وتدلنا النقوش السومرية والتماثيل البابلية والآشورية، على مدى الخيال الثري لهذا الانسان، في إيجاد النماذج والتنوع لقطع الملابس التي كان يرتديها
ترجع أصول الألبسة المنسوجة، إلى الحضارات الزراعية المتاخمة لأحواض الأنهار الدافئة، كبلاد الرافدين، ونهر النيل والسند والغانج وغيرها، تلك الحضارات التي عرف سكانها زراعة النباتات الليفية ونسجها، إذ زينوه بما يمثل شبكة صيد والتي كانت تعتبر مصدر رزقهم كونهم كانوا يعيشون على إصطياد الأسماك، ومنهم إنتقل إلى الأقوام المجاورة في جنوب غرب عيلام إيران حالياً وإلى الجزيرة العربية، ازدهرتْ صناعة النسيج خلال العهد السومري واستخدم فيها خيوط الصوف والكتان، وكان الكهنة خلال فصل الربيع يرتدون الملابس البيضاء بشكل يغطيهم من الرأس حتى القدمين وان بعض هؤلاء الكهنة يضعون على رؤوسهم وفوق القماش الابيض شبكة سوداء مصنوعة من صوف الاغنام كشبكة صيد السمك لترمز الى موسم الخير والتكاثر والبعض يعللها لطرد الارواح الشريرة، فإنها مع مرور الزمن صارت ملاصقة لليشماغ والعقال و...

Azyaa.Eg.ch.5.jpg


يعود تاريخ لبس الشماغ"اليشماغ" كما يطلق عليه في شمال الجزيرة العربية والأردن والعراق إلى حضارات ما بين النهرين في العراق قديماً، حيث وردت كلمة شماغ في اللغة السومرية، وهي تتكون من مقطعين “اش ماخ” بمعنى غطاء الرأس، واكثر تفصيلاً تعني غطاء رأس الكاهن ليميزه عن باقي الناس، واستحدث السومريون نقشة الشماغ بشكل يجسد شبكة صيد الاسماك، وكانت أنماط توزيع الألوان على الشماغ تحاكي شباك الصيد أو سنابل القمح كما يعتقد الباحثون في الملابس التقليدية، وتمكن الشماغ من الصمود منذ تلك الفترة إلى وقتنا الحالي لمزاياه الوظيفية كالحماية من أشعة الشمس والبرد القارس ليلاً في البيئات الصحراوية وحماية الوجه من الغبار عند وضعه كلثام، وبقي أيضاً لمزاياه الجمالية ليكون علامة مميزة في ثياب العرب.
ارتداه الملك كوديا عام 2146 ق.م، ويظهر من التماثيل العديدة للحاكم السومري كوديا 2146-2122 ق.م والمحفوظة في متحف اللوفر وكوبنهاجن انه أول حاكم ارتدى اليشماغ قطعة واحدة وتتفق معظم المصادر على اختلاف مشاربها بوصف كوديا الذي اكتفى بمنصب حاكم باتشي بأنه عادل ومتدين ويحب السلام ويسعى لإسعاد شعبه ويحب مدينته الأمر الذي يجعلنا نعتقد بأنه جاء إلى الحكم ليضع حداً لتسلط بعض الكهنة وتجاوزهم لحدود صلاحياتهم فاستطاع السيطرة على جميع إيرادات المعابر خدمة للمصلحة العامة، ومهما اختلف علماء الآثار وفلاسفة الفن حول أسباب تصويره مرة حليق الرأس وأخرى يلبس اليشماغ فإن لبس اليشماغ كان له شأن عظيم في ذلك الزمان حيث جمع لابسه بين السلطة الدينية والدنيوية وخضع له الجميع وصار لباساً للأمراء وكبار الكهنة في العصر الذهبي السومري 2122-214 ق.م، كما وجدت مخطوطة لحديث بين عشتار وتموز عندما كانو يتحدثون فطلبت عشتار من تموز ان يرتدي الشماغ ليقيه الشمس.



وهكذا وبعد اجيال، انتقل لبس اليشماغ تدريجياً من لباس النخبة الحاكمة والمقدسة إلى اللبس الشعبي الأكثر رواجاً في أرض الرافدين وما حوله، وتعددت أوضاعه على الرأس منهم من لبس فوقه العقال ومنهم من لفه على الرأس بأشكال مختلفة لا تختلف كثيراً عن لفة الحاكم السومري كوديا.


Azyaa.Eg.ch.1.jpg


يلبس سكان الاهوار في الوقت الحاضر اليشماغ ذا الخطوط السوداء والتي تشبه عيون شباك الصيد، والموشح بخطوط عريضة في جوانبه وهي متموجة تشبه أمواج مياه الاهوار، وفي حافته خطوط ورسوم سوداء تمثل زعانف الأسماك تيمناً بما كان يعتقده السومريون، ولكن السادة العلويين في الاهوار يلبسون اليشماغ الأخضر بعد صبغه بمادة خضراء ليميزهم عن باقي الناس، أما الصابئة المندائيون والمنتشرون في الاهوار فكانوا يلبسون اليشماغ بخطوطه الحمراء وهم مميزون بلباسهم هذا.
يصنع الشماغ من القطن أو من الكتان أو يكون مخلوطاً بالقطن والكتان معاً، ويكون خشناً وبألوان منها الأسود والأحمر والأخضر والأزرق والبُني، فالتي يغلب عليها اللون الأحمر وفيها خطوط بيض يسمونها شماغاً، والتي لونها أبيض من القماش الخفيف تسمى غترة. اما الكوفية فانها تصنع من القطن او الكتان وبألوان كثيرة اشهرها الحمراء المقلمة بالبيض، او البيضاء المقلمة بالاسود والابيض، ويرجع أصلها إلى أنها عربية مقتبسة في الأصل من اللغة اللاتينية، والرأي الثاني، وهو الأرجح أنّ الاسم كوفية جاء نسبة إلى مدينة الكوفة في العراق، ويذكر أن أحسن من كان يصنعها هم أهل الكوفة أيام الخلافة العباسية،

Kofyaaa.jpg


اصبحت الكوفية رمز من رموز النضال الفلسطيني عبر الاجيال، مثلت الثورة الفلسطينية وجسدت الانتفاضات، ووقفت شامخةً في المحافل الدولية وعلى منابر الامم المتحدة، لتصبح رمزا للحق الفلسطيني المغتصب ونضاله المشروع. يا محلا هذه الكوفية وما ترمز اليه!
اهل الاردن يعتمرون الشماغ مع البدلة وربطة العنق، للحصول على مظهر متألق، في حين أن أهل الخليج والسعودية لا يرتدونه الا مع الثوب"الدشداشه".

Abaya.rjl.1.JPG


يتكون الزي التقليدي للرجال في بعض من مناطق العراق من العقال وغطاء الرأس "الشماغ" أو الكوفية، والدشداشة، والصاية وهناك من يطلق عليها اسم "الزبون" ثم العباءة. لكن لم يحظ أي جزء من أجزاء الزي التقليدي العراقي بما يحظى به العقال من احترام وتقدير، فكان ملبوسا رئيسيا لحقبة من الزمن، لبسه جزءا كبيرا من فئات الريف والمدينة على حد سواء.

Az.Rj.1.JPG

العقال(العكال): هو ما يلبس على رأس الرجل فوق اليشماغ او الغترة او الكوفية و مصنوع من صوف الماعز ولونه غالباً اسود، وهو جزء من اللباس الشعبي العربي التقليدي، وقد عرفه وارتداه منذ القدم أهل الجزيرة العربية والعراق وسوريا والاردن ولبنان وفلسطين وسيناء والاهواز، الذي ما زالت تحافظ عليه بعض منهم، فاللعقال دلالات و معاني كثيرة عن الرجال العرب فهو ليس جزء من الزي العربي فقط بل هو رمز للرجولة و الاصالة، كما يعطي للرجل هيبة وشموخ واعتزاز بالنفس، وهو تاج وفخر للأنسان العربي الاصيل، يوجد العقال بانواع و الوان كثيرة، الأسود يصنع من صوف الماعز، الأبيض، الوبر يصنع من وبر الجمال ويكون لونه بني فاتح أو أبيض، المقصب لا يرتديه عامة الناس وانما يرتديه في الغالب الملوك والامراء والشيوخ والأعيان وكبار الشخصيات، وسمي بالمقصب لانه يقصب بخيوط ذهبية أو فضية، وقد ارتداه في العراق الملك فيصل الاول، وعقال (اللف) ويكون أما على شكل طبقة أو طبقتين وأشتهر في لبسه جزء من أعيان الحلة والنجف، لكن الدارج منها في الثقافة العربية و المتعارف عليها هو اللون الاسود، فمنه الرفيع الذي صار سمة لأهل الشمال وغرب العراق أما السميك أو الغليظ فهو لباس الوسط والجنوب ويتباين سمكه على ذوق لابسه فمنهم من يبالغ في ذك ومنهم من يعتدل,

Eggall.jpg


يصنع العقال من صوف الماعز، ويكون لونه أسود له شراشيب تتدلى على ظهر الرجل ويشبه العقال الحبل المجدول ويختلف سمكه حسب عمر الرجل، وكلما زاد عمر الرجل زاد سماكة عقاله، بحسب المنطقة نرى مثلا العقال النجفي الذي يكون اكبر حجما من بقية المناطق، اما العقال في منطقة بغداد فيغزل ايضا من شعر الماعز لكنه اصغر واملس، فيما يفضل سكان الوسط العقال الذي ينتهي بخيوط طويلة تتدلى من الخلف الى نهاية الظهر، وسكان الناصرية يرتدون عقالا يكون قطره أكثر اتساعا يسمى النص، وسكان العمارة يرتدون عقالا أكثر سمكا، أما سكان الزبير فيرتدون عقالا رفيعا جدا، والدليم وسكان المناطق الغربية من العراق يرتدون عقالا رفيعا.
فأصل العقال كما ترويه المصادر الموثوقة بأيحاز: فهو الحبل الذي تقيد أو تعقل به الناقة، حتى لا تبتعد عن المراعي؛ فكان رعاة الجمال يحرصون دائماً على أخذ حبل يلف على هامة الرأس، يبقى ملفوفاً على رأسه إلى حين يحتاجها، ومع مرور الوقت تحول إلى جزء رئيس من قيافة الرجل وهندامه، والبعض يشير إلى أنه السوط الذي يضربون به الدواب لحثها على المسير، وعند انتهاء الحاجة منه، يحتفظون به على رؤوسهم لمعاودة استخدامه فيما بعد، ويقال ايضاً إن لونه كان أبيض، ثم تحول إلى اللون الأسود القاتم أواخر العصر الأندلسي الأليم، تعبيراً على حزن المسلمين على سقوط الأندلس، وتذكيراً بالعار الذي لحق بهم، كان ذلك عندما وصل إلى بلاد الشام خبر سقوط الأندلس في يد الأسبان صعق الناس وزلزلوا زلزالا شديدا وعم الحزن، وملأ الغضب النفوس لتخاذل الرجال عن نصره إخوانهم، فقام النساء بقص جدائلهن ورمينها في وجوه الرجال الذين ربطوها على رؤوسهم فوق الغترة أو الكوفية تعبيرا عن حزنهم وندمهم، كما أنهم ربطوا بعضها على شكل لجام للخيل لأن الخيل التي لم تهب لنصرة الدين خيل ذليلة ومهانة، ومع الأيام تطورت العصابة فصارت تصنع من شعر الماعز ثم من الخيوط المغزولة والمصبوغة بالأسود رمزا للحزن على أندلسنا وتنبيها لحفظ أمتنا وعدم التكاسل.
تطور العقال عبر الزمن من كونه مجرد حبل تعقل به الناقة، أي تربط به، كي لا تتحرك من مكانها، الى رمز يفخر به سكان مناطق واسعة من العراق والخليج وبلاد الشام، فتعددت أنواعه واختلفت أشكاله عبر السنين لكنه لايزال يمثل قيما خاصة عند المهتمين به كالكبرياء والكرامة، فسقوط العقال حسب الأعراف العشائرية يعني سقوطا لتلك القيم، كما ان رمي العقال في بعض المناسبات على بعض الشخصيات يعتبرا عند القبائل تعبير عن الحب والاحترام او على الانتخاء بهم لما لهم من مكانة المهمة، وهو جزء من الكرامة وفي حال أنزل العقال عن رأس الرجل تحدث مشكلة كبيرة، كانوا يستخدمون العقال للضرب والتأديب والتخويف والتهويش، فالأب في المنزل يستطيع ان يخوف ابناءه بمجرد ان يلوح بالعقال او يرفعه، ولم يكن يضرب أولاده بالعصي لتأديبهم إذا ما أخطأوا، فالعصي للحيوان، بل احياناً يضربهم بالعقال لتأديبهم وعدم إذلالهم في الوقت نفسه، ومما يدل على ذلك كثرة القصائد الشعرية التي نظمت فيه والتي تشير لمدلولات العقال سابقا ومدى أهميته، قيلت في حقه أشعار عدة، كما تغنى به أهل العراق حيث قال أحدهم:
"متغاوي وعگالك مرعز وحزامك فضة مطرز"
وغنت سميرة توفبق:
اسمراني وعقاله مرعز
 

أقسام الرافدين

عودة
أعلى أسفل