اعمال وفتوحات محمد على

الإهداءات
  • غزل من من قلب الغزل ..:
    ضياءٌ شعَّ من أرض المدينة و زُفَّت البشرى لرسول الله (ص) بولادة سبطه الأول الإمام المجتبى (ع).✨💚
  • غزل من قلب الغزل:
    "يارب دائمًا اعطنّي على قد نيتي وسخر لي الأشخاص اللي يشبهون قلبي🌿✨. .
  • غزل من قلب الغزل:
    مارس الرحمة قدر المُستطاع فكلما تلطفت مع خلق الله زاد الله لطفهُ حولك.💐
  • غزل من قلب الغزل:
    اللهم إنك عفوٌ كريمٌ تحب العفو فاعفو عنا ♥️😌

الحملة على الوهابيين

فلما رسخت قدم محمد علي باشا في مصر أخذ في تسليم مصالح حكومته إلى من يَثِقُ بهم من ذوي قرباه؛ لأنه كان شديد المحبة لعائلته، ولا شك أن أزره اشتد بهم. ثم استفحل أمر الوهابيين في شبه جزيرة العرب، فأرسل السلطان محمود يعهد إلى محمد علي باشا أمر إخضاعهم وتخليص البلاد من أيديهم.
والوهابيون طائفة من المسلمين تذهب إلى إغفال الكتب الدينية الإسلامية إلا القرآن والحديث. زعيمها الأول محمد بن عبد الوهاب وُلِدَ في العيينة من إقليم العارض من نجد سنة ١١٠٦ﻫ/١٦٩٦، وكان أبوه شيخًا فقيهًا، فرُبِّيَ في حجره على المذهب الحنبلي ثم انتقل لإتمام دروسه في البصرة وهَمَّ بزيارة مكة والمدينة وعاد إلى بلده. ثم تزوج في الحريملة بالعارض، وأقام فيها واشتهر بين قومه بالتقوى وصدق التديُّن. وأنحى عليهم باللائمة لتقاعدهم عن الفروض الدينية، وإهمالهم قواعد الدين الأساسية، وبالغ في تعنيفهم حتى تآمر بعضهم على قتله، وتربصوا له في مكمن، فأدرك غرضهم ففر إلى بلده العيينة، وأخذ يجتذب الأحزاب إليه من أهله وأبناء قبيلته بالوعظ والمراسلة والإقناع، فالتف حوله جماعة من الأنصار في بلدته وما يحيط بها من البلاد.

وجاءته امرأة عاهرة تلتمس التوبة على يده فردَّها أولًا وثانيًا. فجاءته ثالثة فاستغرب أمرها وسأل القوم إذا كانت مجنونة فقالوا: إنها في كمال عقلها لكنها شردت عن طريق التقوى وتريد الرجوع إليها. فحكم عليها بالإعدام لأن ضميرها لم يوبخها يوم ارتكبت تلك الرذائل. وعلم بهذا الحكم الجائر أمير الحسا فبعث إلى شيخ العيينة أن يقتل محمد بن عبد الوهاب أو ينفيه. فأمر بإخراجه من بلده على أن يدس له من يقتله.

وبلغ نفيه مسامع بعض أتباعه في الدرعية من إقليم العارض المذكور، وأميرهم يدعى محمد بن سعود، فتقدموا إليه أن يأذن باستقدامه إليهم، فأذن لهم بذلك، فبعثوا إلى شيخ العيينة أن يوجهه إليهم. فبعثه في خفارة فارس أَسَرَّ إليه أن يقتله غيلة في أثناء الطريق. فهَمَّ الفارس أن ينفذ ذلك الأمر مرارًا وهو يؤجله، واتفق أنه هَمَّ بالعمل أخيرًا وهو على مقربة من الوفد الذي أرسله ابن سعود لاستقبال ذلك المنفي. ولم يكد الفارس يطعنه حتى جاء أولئك للدفاع عنه وقد كاد يُقتَل.

فدخل محمد بن عبد الوهاب الدرعية فأحسن ابن سعود وفادته إكرامًا لأتباعه، ووعد بحمايته ممَّنْ يناوئه، وأذن له في نشر تعاليمه. ففعل ونفوذه يزداد وأنصاره يتكاثرون وشهرته تتسع. فأخذ يكاتب مشايخ القبائل يدعوهم إلى نبذ الرذائل والرجوع إلى الكِتاب والسُّنَّة، وأنهم إذا لم يفعلوا حمل عليهم بأهل درعية جهادًا في سبيل الحق. فأذعن له كثيرون وقاومه آخرون، فمن وافقه انتقل إليه في درعية. فتزايد أنصاره فيها وفي غيرها من إقليم العارض، وأكثرهم في العيينة وحريملة ودرعية والعمارية والمنفوحة.
 
  • بادئ الموضوع
  • #2

مذبحة المماليك

أما المماليك فكانوا قد يئِسوا من الاستقلال بالأحكام، بعد أن رأوا ما حل بسلفائهم وما عليه محمد علي باشا من العزيمة، فكفوا عن مطامعهم واكتفوا بالتمتع بأرزاقهم وممتلكاتهم في حالة سلمية. فقطن بعضهم الصعيد وبعضهم القاهرة وتشتتوا في أنحاء القطر. وكان شاهين بك — وهو الذي تولى رئاستهم بعد وفاة الألفي — قد أذعن لمحمد علي باشا كما تقدَّم. فأقطعه أرضًا بين الجيزة وبني سويف والفيوم فأوى إليها. وفي محرم سنة ١٢٢٦ﻫ/فبراير (شباط) سنة ١٨١١م سار قُوَّادُ الحملة من القاهرة، وعسكروا في قبة العزب في الصحراء ينتظرون سائر الحملة ومعها طوسون باشا. وتعين يوم الجمعة لوداع طوسون والاحتفال بخروجه ورِجَالِهِ إلى قبة العزب، فأعلن ذلك في المدينة، ودُعِيَ كل الأعيان لحضور ذلك الاحتفال، وفي جملتهم المماليك، وطلب إليهم أن يكونوا بالملابس الرسمية.

ففي يوم الجمعة ٥ صفر سنة ١٢٢٦ﻫ/أول مارس (آذار) سنة ١٨١١م احتشد الناس إلى القلعة، وجاء شاهين بك في رجاله، فاستقبلهم الباشا في قصره بكل ترحاب. ثم قُدِّمَتْ لهم القهوة وغيرها، ولما تكامل الجمع وجاءت الساعة أمر محمد علي بالمسير، فسار الموكب وكُلٌّ في مكانه منه جاعلين المماليك إلى الوراء يكتنفهم الفرسان والمشاة. حتى إذا اقتربوا من باب العزب من أبواب القلعة في مضيق بين هذا الباب والحوش العالي، أمر محمد علي فأُغلِقَت الأبواب وأشار إلى الألبانيين (الأرناءوط)، فهجموا على المماليك بغتة، فانذعر أولئك وحاولوا الفرار تسلُّقًا على الصخور، ولكنهم لم يفوزوا؛ لأن الألبانيين كانوا أكثر تعوُّدًا على تسلقها. واقتحم المشاة المماليك من ورائهم بالرصاص، فطلب هؤلاء الفرار بخيولهم من طرق أخرى، فلم يستطيعوا لصعوبة المسلم على الخيول، ولما ضُويِقَ عليهم ترجَّل بعضهم وفروا سعيًا على أقدامهم والسيوف في أيديهم، فتداركتهم الجنود بالبنادق من الشبابيك فقُتِلَ شاهين بك أمام ديوان صلاح الدين. وحاول بعضهم الالتجاء إلى الحريم أو إلى طوسون باشا بدون فائدة. ثم نودي في المدينة أن كل من يظفر بأحد المماليك في أي محل كان يأتي به إلى كخيا بك، فكانوا يقبضون عليهم ويأتون بهم إليه أفواجًا وهو يقتلهم.
 
  • بادئ الموضوع
  • #3
وكان عدد المماليك المدعوين إلى الوليمة أربعمائة، فلم ينجُ منهم إلا اثنان؛ أحدهما: أحمد بك زوج عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير، كان غائبًا بناحية موش. والثاني: أمين بك، أتى القلعة متأخرًا فرأى الموكب سائرًا نحو باب العزب فوقف خارج الباب ينتظر خروج الموكب. ثم لما أُقفِلت الأبواب بغتة وسمع إطلاق النار أدرك المكيدة، فهمز جواده وطلب الصحراء قاصدًا سوريا. والمتناقَل على الألسنة أن أمين بك هذا كان داخل القلعة فعندما حصلت المعركة همَز جواده فوثب به من فوق السور لجهة الميدان فقُتِلَ جواده وسلم هو، وقد صوروا تلك الإشاعة في الرسم (شكل ٣-٥) والأقرب للحقيقة أن هذه الإشاعة مختلقة أو مبالغ فيها. ثم نودي في الأسواق أن شاهين بك زعيم المماليك قُتِلَ فخافت الناس ثم طافت العساكر في المدينة ينهبون بيوت المماليك ويأخذون حريمهم وجواريهم وعلا الصياح.
وفي اليوم التالي نزل الباشا من القلعة وطوسون معه، وطاف المدينة يأمر الناس بإيقاف النهب وقتل كل من حاول ذلك، ولكنه حرَّض على قبض من يظفرون به من المماليك في سائر أنحاء القُطر، فكانوا يأتون بهم أفواجًا يسوقونهم كالغنم إلى الذبح. فبلغ عدد من قُتِلَ من البكوات ٢٣ بيكًا. وفي اليوم التالي نزل طوسون باشا إلى الأسواق في فرقة من الجند لتسكين القلوب وإيقاف النهب. أما الجثث التي كانت في القلعة فاحتفروا لها حفرًا جعلوا فوقها التراب وصرح محمد علي باشا بحماية نساء المماليك ولم يسمح بتزويجهن إلا إلى رجاله.
 
  • بادئ الموضوع
  • #4

فتح السودان​

ولما انتهى هذا الرجل الخطير من حروبه في بلاد العرب، فكر في فتح السودان على أمل أن يلاقي فيها الكنوز الثمينة من مناجم الذهب بجوار البحر الأزرق، ناهيك بما هنالك من المحصولات والواردات العجيبة من الصمغ والريش والعاج والرقيق وغير ذلك. فجنَّد خمسة آلاف من الجند النظامي وبعض العربان وثمانية مدافع، وجعل الجميع تحت قيادة إسماعيل باشا أحد أولاده. فسارت الحملة من القاهرة في شعبان عام ١٢٣٥ﻫ/يونيو (حزيران) ١٨٢٠م في النيل، فقطعت الشلال الأول فالثاني فالثالث حتى السادس، فأتت شندي والمتمة وقد أخضعت كل ما مرت به من القرى والبلدان بدون مقاومة. ومن شندي سارت إلى سنار على البحر الأزرق وراء الخرطوم.
ولم يكن من القبائل التي يعتد بها هناك إلا الشائقية فقاوموا قليلًا ثم سلموا، ودخلت سنار وكوردوفان في أمراك مصر. فسار إسماعيل باشا في جنوده إلى فزغل، وهناك ظن نفسه اكتشف معادن الذهب. ثم فشا في رجاله الوباء فمات منهم كثيرون وأتته نجدة من ثلاثة آلاف رجل بقيادة صهره أحمد بك الدفتردار، فاشتد أزره فأقام صهره هذا على كردوفان وسار في جيش إلى المتمة على البر الغربي من النيل، ثم عدَّى إلى شندي في البر الشرقي لجباية المال وجمع الرجال. فاستدعى إليه ملكها واسمه النمر وقال له: «أريد منك أن تأتي إليَّ قبل خمسة أيام بملء قاربي هذا من الذهب، وألفين من العساكر.» فجعل ذلك الملك يستعطف إسماعيل باشا ليتنازل عن ذلك القدر، فقبل منه أخيرًا عوضًا عن الذهب مبلغ عشرين ألف ريال من الفضة.
فأجابه إلى ما أراد ولكنه لم يكُن يستطيع جمعها في تلك المدة، فطلب إليه تطويل الأجل، فضربه إسماعيل بالشبق (الغليون) على وجهه قائلًا: «لا، إن كنت لا تدفع المال فورًا ليس لك غير الخازوق جزاء.» فسكت الملك النمر وقد أضمر له الشر وصمم على الانتقام، فطيَّب خاطره ووعده بإتمام ما يريد. وفي تلك الليلة جعل يرسل التبن الجاف أحمالًا إلى معسكر إسماعيل علفًا للجمال، ولكنه أقامه حول المعسكر كأنه يريد إشعاله. وفي المساء أتى إلى إسماعيل في سرب من الأهلين ينفخون بالمزمار ويرقصون رقصة خاصة بهم. فطرب إسماعيل وضباطه لذلك، ثم أخذ عدد المتفرجين من الوطنيين يتزايد شيئًا فشيئًا حتى أصبح كل أهل المدينة هناك. فلما تكامل العدد أمرهم ملكهم بالهجوم فجهموا بغتة على إسماعيل ورجاله، ثم داروا بالنيران على التبن فأشعلوه فمات إسماعيل باشا وكثيرون ممَّن كانوا معه بين قتل وحرق. وفي اليوم التالي أتموا على الباقين وساقوا سلبهم إلى المدينة.
فاتصل الخبر بأحمد بك الدفتردار فاشتعل غيظًا، وأقسم أنه لا يقبل أقل من عشرين ألف رأس انتقامًا لإسماعيل، فنزل بجشيه القليل حتى أنفَذ قَسَمَهُ فقتل ذلك العدد من الرجال متفننًا في طرق قتلهم على أساليب مختلفة. فهدأت الأحوال بعد ذلك وهكذا تم افتتاح السودان. وما زال أحمد بك الدفتردار على حكومة سنار وكردوفان إلى عام ١٢٤٠ﻫ/عام ١٨٢٤م ثم أُبْدِلَ برستم بك.

(ﺟ) حرب المورا​

وفي عام ١٢٣٩ﻫ أرسل محمد علي باشا بأمر الباب العالي حملةً مصريةً تحت قيادة ابنه إبراهيم باشا لمحاربة المورا في بلاد اليونان، فسار وحارب، وأظهرت العمارة المصرية في تلك الحروب شجاعة الأبطال، ولولا اتحاد الدول مثنى وثُلاث على الجنود العثمانية والمصرية، لما قامت لليونان قائمة في تلك الحرب، ولكننا نقول إن إبراهيم باشا عاد عَوْدَ الظافرين بعد أن بذل في سبيل ذلك عشرين مليون فرنك وثلاثين ألف مقاتل.

(د) فتح سوريا​

ثم كانت حملة إبراهيم باشا على سوريا لافتتاح عكا لأسباب ترجع إلى مطامع محمد علي في توسيع مملكته وإنشاء دولة مستقلة. وأما البواعث الظاهرة لتلك الحملة، فهي أن الأمير بشيرًا الشهابي الكبير أمير لبنان جاء مصر سنة ١٨٢١ يلتمس من محمد علي التوسُّط لدى الباب العالي في العفو عن عبد الله باشا والي عكا؛ لأن الدولة كانت تحب محمد علي باشا وتعد خاطره على أثر ما أوتيه من النصر في حرب الوهابيين بعد أن تعبت هي في قهرهم.
وكان محمد علي باشا إذ ذاك في شاغل من أمر الحرب في المورا، وكانت الدولة قد بعثت إليه أن يُجَنِّدَ جُنْدًا لمحاربتها، فلما جاءه الأمير بشير مستنجدًا طيَّب خاطره ووعده بالمساعدة، وكتب إلى الباب العالي بذلك وأسكن الأمير في بني سويف ريثما يرِد الجواب، وشدد في طلب العفو تشديدًا كبيرًا؛ لأنه كان راغبًا في امتلاك قلب الأمير ولسانه؛ ليكون له عونًا في ما نواه من فتح الشام.
ولبث الأمير في مصر حتى وردت الأوامر بالعفو عن عبد الله باشا فحملها شاكرًا، بعد أن تداول مع محمد علي باشا سرًّا بشئون كثيرة تعود إلى مقاصد الباشا في بر الشام. وسار الأمير من مصر إلى عكا بكل إكرام مصحوبًا بسلاحدار الباشا حاملًا الفرمان بالعفو، فوصلوا عكا فسُرَّ عبد الله باشا بفوزه. ولكن الجنود العثمانية في الشام طلبت النفقات المعينة في مثل هذا الصلح، ولم يكن عند عبد الله باشا نقود، وكان الأمير قد جاء بنحو نصف القدر اللازم من محمد علي، فضرب عبد الله باشا الباقي على المقاطعات وأخذ بعضها من الأمير.
وجرت حوادث كثيرة انتهت بالتباعد بين الأمير وعبد الله باشا. وكان محمد علي لما جاءه الأمير بشير بواسطة العفو عن عبد الله باشا أَسَرَّ إليه عزمه على فتح الشام، وطلب نصرته فوعده سرًّا ولبث ينتظر فرصة أو حجة. وكان يظن أن صنعه الجميل مع عبد الله باشا والأمير يكفي لبلوغ أمانيه، ولكنه رأى من عبد الله باشا اعوجاجًا عن غرضه. والغالب أن عبد الله كان طامعًا بمثل مطامع محمد علي، فلما علم بما نواه هذا صار يحاذره.
 
لكم من الابداع رونقه
ومن الاختيار جماله
دام لنا عطائكم المميز والجميل
 

أقسام الرافدين

عودة
أعلى أسفل