((بغداد بريشة الرسام ارثر ميلفيل))
زار بـغـداد الـرّسّـام الاسـكـتـلـنـدي أرثـر مـيـلـفـيـل Arthur Melville الّـذي نـفّـذ عـدّة رسـوم بـالألـوان الـمـائـيـة لـمـشـاهـد مـن بـغـداد ولـبـعـض مـعـالـمهـا في الـنّـصـف الـثّـاني مـن الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر.
أرثـر مـيـلـفـيـل ولد في إسـكـتـلـنـدة سـنـة 1855. وبـعـد أن درس الـفـنّ، سـافـر عـام 1880، وكـان في الـخـامـسـة والـعـشـريـن مـن عـمـره، إلى بـاريـس.
وفي بـاريـس، زار مـيـلـفـيـل الـصّـالـون الـفـنّي الّـذي يـعـرض فـيـه كـلّ الـفـنّـانـيـن الـمـعـروفـيـن أعـمـالـهـم سـنـويـاً. وقـد أعـجـبـتـه خـاصـةً لـوحـات “الـمـسـتـشـرقـيـن” مـن أمـثـال الـفـرنـسي بـنـجـامـن كـونـسـتـان الّـذي كـان قـد زار بـلـدان الـمـغـرب ورسـمـهـا، والإيـطـالي ألـبـرتـو بـازني الّـذي رسـم الـشّـرق بـعـد أن زار تـركـيـا وإيـران وسـوريـا وجـزيـرة الـعـرب، والإيـطـالي ديـانـو فـورتـوني … ودفـع ذلـك مـيـلـفـيـل لـلـشّـروع في الـسّـفـر، فـشـدّ الـرّحـال إلى مـصـر لـيـرسـم فـيـهـا لـوحـات “اسـتـشـراقـيـة” هـو الآخـر. ووصـل إلى الـقـاهـرة في نـهـايـة عـام 1880، وأقـام فـيـهـا مـدّة طـويـلـة بـعـد أن سـقـط مـريـضـاً وعـانى مـن قـصّـة حـبّ فـاشـلـة، فـقـد هـام عـشـقـاً بـبـنـت مـسـؤول بـريـطـاني، ولـم تـتـقـبـلـه عـائـلـتـهـا.
وفي شـبـاط مـن عـام 1882، تـرك مـيـلـفـيـل الـقـاهـرة إلى الـسّـويـس نـحـو عـدن. ومـن عـدن أكـمـل طـريـقـه إلى الـهـنـد. وقـد الـتـقى في الـهـنـد بـالـسّـيـر أرثـر سـتـيـبـني Sir Arthur Stepney. وبـعـد أن تـجـوّلا مـعـاً في الـهـنـد نـزلا إلى جـنـوب إيـران ثـمّ وصـلا إلى مـسـقـط . ومـنـهـا صـعـدا الـخـلـيـج عـلى سـفـيـنـة بـخـاريـة إلى الـبـصـرة. ومـن الـبـصـرة صـعـدا دجـلـة عـلى مـتـن سـفـيـنـة إلى بـغـداد.
ونـقـرأ في مـا كـتـبـه مـيـلـفـيـل في يـومـيـاتـه في 16 نـيـسـان : “تـتـشـابـه كـلّ الأيّـام فـوق هـذا الـنّـهـر، مـشـاهـد أكـواخ مـتـنـاثـرة عـلى الـضّـفـتـيـن، وخـرفـان أو خـيـول تـظـهـر هـنـا وهـنـاك مـن حـيـن إلى آخـر”.
وقـد وصـل مـيـلـفـيـل مـع الـسّـيـر أرثـر إلى بـغـداد في نـهـايـة شـهـر نـيـسـان مـن نـفـس الـعـام. وكـتـب في يـومـيـاتـه : “شـاهـدنـا مـآذن بـغـداد. ومـا كـان في أذهـانـنـا مـجـرد اسـم قـرأنـاه في ألـف لـيـلـة ولـيـلـة صـار الآن حـقـيـقـة شـاخـصـة أمـامـنـا”. ولـكـنّـه يـذكـر أنّـه أصـيـب بـخـيـبـة أمـل، فـلـم تـكـن بـغـداد تـشـبـه مـا صـورتـه لـه مـخـيّـلـتـه الـرّومـانـسـيـة مـن خـلال قـراءتـه لألـف لـيـلـة ولـيـلـة (The Arabian Nights كـمـا يـسـمـيـهـا الإنـكـلـيـز).
وأقـام أرثـر مـيـلـفـيـل في بـغـداد بـيـن مـواطـنـيـه الـبـريـطـانـيـيـن الـعـامـلـيـن في الـولايـة، وتـجـوّل مـعـهـم عـلى الـخـيـول، ومـارس كـرة الـتّـنـس. وقـد أقـام في بـغـداد حـتّى أواخـر شـهـر أيّـار، ورسـم لـوحـة بـالألـوان الـمـائـيـة كـلّ يـوم تـقـريـبـاً عـن مـعـالـم الـمـديـنـة الـمـعـمـاريـة ومـشـاهـد الـحـيـاة الـيـومـيـة فـيـهـا وعـن نـاسـهـا. ومـازالـت بـعـض هـذه الـرّسـوم في الـمـتـاحـف أو في مـجـمـوعـات خـاصـة.