العملاق ماركيز

الإهداءات
  • غزل من من قلب الغزل ..:
    ضياءٌ شعَّ من أرض المدينة و زُفَّت البشرى لرسول الله (ص) بولادة سبطه الأول الإمام المجتبى (ع).✨💚
  • غزل من قلب الغزل:
    "يارب دائمًا اعطنّي على قد نيتي وسخر لي الأشخاص اللي يشبهون قلبي🌿✨. .
  • غزل من قلب الغزل:
    مارس الرحمة قدر المُستطاع فكلما تلطفت مع خلق الله زاد الله لطفهُ حولك.💐
  • غزل من قلب الغزل:
    اللهم إنك عفوٌ كريمٌ تحب العفو فاعفو عنا ♥️😌

سليم البصري

مشرف مساحة حرة
كادر اشراف المنتديات
2019-05-25
18,870
5,036
117
الجوائز
2
الانبار
جوهرة
დ22,031
الجنس
ذكر
في ورشة غابرييل غارسيا ماركيز
كيفَ تُحكى حكايَة ؟

يقول ماركيز : ان كل قصة تحمل معها تقنيتها الخاصة ، والمهم بالنسبة لكاتب السيناريو هو اكتشاف تلك التقنية . وفي محاولة جديدة تتسم بالذكاء الحرفي عمل الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز على اختبار جدارة هذا التصور الفني عن الكتابة الإبداعية من خلال تأسيس ورشة لكتابة السيناريو يرتكز عملها بشكل مباشر على تحويل الفكرة النظرية إلى ممارسة كتابية متفردة تدخل في التفاصيل وتنقب عن الجودة حينما تبحث عن نواة قصة ما تروى بصورة جيدة طالما ان ليس هناك ما هو أسوء من قصة يجري تطويلها كما يزعم غابو ( الاسم الذي يطلقه أعضاء الورشة على ماركيز ).

في مدخل الكتاب يسرد " غابو " الكيفية التي ابتدأت فيها الفكرة هناك في مكسيكو حيث طلب منه إنجاز ثلاث عشرة قصة حب تدور أحداثها في أمريكا اللاتينية ، مدة كل واحدة منها نصف ساعة . ولمباشرة هذا العمل " اجتمع عشرة من العاملين في حقل السينما كتابة وإخراجا ، من أمريكا اللاتينية وأسبانيا في ورشة سيناريو يديرها ماركيز فيما يشبه فرقة أوركسترا صغيرة تبحث عن قطعة موسيقية ، تصوغها وتعزفها ، لكن الورشة هنا تبحث عن قصة أو فكرة ، تكسوها لحما وجلدا ، وتعطيها ملامحها الخاصة في سيناريو سينمائي – تلفزيوني ، يرسم الحدود المتصلة بين الأدب والسينما ". وكما جاء في التقديم فان أنصاف الساعات هذه تتبناها جهة إنتاجية تقوم بتحويلها إلى الشاشة باتفاق جماعي ، فيما تُخصص ورشة ماركيز ريع بيع هذه القصص لمدرسة "سان انطونيو دي لوس بانيوس " الدولية للسينما والتلفزيون . يدرك ماركيز ان متطلبات السوق اليوم تقتضي تقديم أعمال تتسم بالإثارة والتشويق والمغزى الواضح ، لذا نراه يحاول لفت انتباه مجموعته إلى مبدأ صناعة نص أدبي – سينمائي جيد يتصف بالطرافة والإبداع والخفة من دون ان يتحول مبدعه إلى سلعة .

وقبل الشروع في العمل يشير ماركيز إلى نفسه قائلا : " ان اكثر ما يهمني في هذا العالم هو عملية الإبداع . أي سر هو هذا الذي يجعل مجرد الرغبة في رواية القصص تتحول إلى هوى يمكن لكائن بشري ان يموت من اجله ، أن يموت جوعا ، أو بردا ، أو من أي شئ آخر لمجرد عمل هذا الشيء الذي لا يمكن رؤيته أو لمسه ، وهو شئ في نهاية المطاف ، إذا ما أمعنا النظر ، لا ينفع في أي شئ ؟ " ويمكننا ان نرى ان مجرد الرغبة في إنجاح عمل الورشة وتقديم نتائجها للقراء في سلسلة كتب إبداعية ، يعني إصرارا حقيقيا على مواصلة الحياة .

تبنى طريقة العمل في الورشة على الحوار الصريح والجاد وبمشاركة جميع الأعضاء ، حيث يباشر أحدهم بطرح فكرة ما أو اقتراح صورة مشهد ، يتلقفها الباقون ويطورونها إلى أقصى حد ممكن ، مع محاولة تفكيك القصص واعادة تركيبها من جديد ، ثم تأخذ الفكرة / القصة بالتداول فيما بينهم بحيوية وجرأة تكسبها جمالا وتأثيرا ملحوظين ، وعندما يحين موعد نضجها ، تتركز جهودهم لاعادة صياغة البناء وتشذيب الأحداث والشخصيات بما يجعلها ذات سياق قصصي متسق يصلح للعرض على الشاشة .

أما في حال لم يتوصل أعضاء الورشة إلى صيغة نصية متفق عليها ، وأخذت الفكرة تنتقل بينهم من دون ان تتطور ، فمعنى ذلك ان ثمة خلل ما في الحكاية ، ويفضل تركها إلى حين . ولكي لا تتكرر الأخطاء يشير ماركيز إلى فكرة الاستبعاد ، داخل النص أو خارجه ، فإذا أحسست ان هذا الجزء غير ملائم ، لا تحاول ان تتمسك به عنوة ، فقط لأنك أنجزته . ونراه يلمح في مكان آخر إلى ان " الكاتب الجيد لا يُعرف بما ينشره بقدر ما يعرف بما يلقيه في سلة المهملات " . ومن سياق مقارب يحث ماركيز أعضاء الورشة على المضي في الطريق السليم مذكرا : " ان على أحدنا حين يكتب ان يكون مقتنعا بأنه افضل من سرفانتس ، أما عكس ذلك فان المرء سينتهي لان يكون أسوء مما هو في الواقع … فمن الصعب العثور على قصة لا تتشابه بطريقة ما مع أشياء كثيرة " .

وعند اكتمال القصة توكل لأحد الأعضاء مهمة إعدادها كسيناريو سينمائي أو تلفزيوني . ويشدد ماركيز غير مرة على فكرته الرئيسة بطرق مختلفة تتلخص في قوله : " إذا كانت لدى المرء قصة جيدة ، يمكن ان تروى بطريقة واضحة وبسيطة ، فعليه ان يتجنب تعقيدها " . ورغم ان اغلب الاعتبارات التي توجه صياغة القصص في ورشة ماركيز هي اعتبارات فنية سينمائية ، لكن شواهد الخبرة الأدبية الواسعة يجري اعتمادها أيضا وبشكل أساسي ، فالعمل السينمائي والأدبي متلازمان في جوانب كثيرة رغم اختلافهما البائن في أمور عدة … لقد كان غابو - كروائي مولع بالخرافة الواقعية - يعتقد بنقطة جوهرية تتمثل في " ان السينما تحب المبالغة ، لكن ليس بمقدار ما في الواقع من مبالغة " .

ان خبرة ماركيز كأديب محترف له تجربته الخاصة تهيمن على حوارات الورشة وتستحث جهود المجموعة على الاقتراح والمبادرة والتفكير بأفق مبدع ، لذا تستحق ان توصف بأنها دروس أدبية وفنية لها أهميتها ودورها التحفيزي ، خاصة وهي تتلبس بحس جدلي غير مفتعل شكل الملاحظة المشاكسة أو الجزم بأمر مرفوض فنيا ، من دون ان يقلل ذلك من شان آراء الآخرين التي تبدو لماحة وذكية عندما تكشف عن خبرة واسعة في مجال كتابة السيناريو وتأثيث المشهد السينمائي بثراء صوري مدروس .

ثمة دروس عدة يمكن لماركيز ان يقدمها لكتاب القصة أو المشتغلين بالسيناريو ، واهم تلك الدروس هو تحسين قدرة الكاتب على الإيجاز والترميز ، " فلابد من إقرار المستويات والأوزان في القصة ، مثلما هي الحال في الملاكمة " بتعبير غابو . بمعنى تكثيف انتباه القاص إلى مسار قصته حتى لا يضطر إلى التفكير لاحقا بوضع طريقة لإنقاذها من المأزق . هكذا يكشف لنا ماركيز عن سر الكتابة الجيدة والتي تبدو التزامه الوحيد ، بالقول : " إذا كنت لا تستطيع رواية قصة في صفحة واحدة ، فاختصرها إلى صفحة واحدة " . الارتكاز على مقدرة الخيال للّي الواقع مسألة مهمة بالنسبة لأي كاتب ، بقدر أهمية إيمانه بما هو فاعل ، فأية قصة خرافية ، ستصبح حقيقة تماما طالما آمنت بها .

في الصفحات الأخيرة يستعيد ماركيز أمام أصدقائه ردود فعله على قرار منحه جائزة نوبل، بالقول :" يا للعنة ، لقد صدقوها ! لقد ابتلعوا الأكذوبة ! هذه الجرعة من عدم اليقين رهيبة جدا ولكنها ضرورية في الوقت نفسه لعمل شئ جدير بالعناء . أما المتعجرفون الذين يعرفون كل شئ ، والذين لا تراودهم الشكوك مطلقا ، فيتلقون صدمات مروعة ، ويموتون بفعلها " .

راقت لي كوني من عشاق هذا الكاتب
 

أقسام الرافدين

عودة
أعلى أسفل