معاني ورموز نصب التحرير

الإهداءات
  • غزل من قلب الغزل:
    لا عذَّبَ اللهُ قلباً أنتَ فيهِ ياعلي 🤍.
  • غزل من روح الغزل:
    اللهم ارزُقنا قلبًا خاشعًا حزينًا مهمومًا مڪروبًا متصدعًا، وعينًا باكية لمُصابِ أمير المؤمنين💔🏴.“
  • غزل من قلب الغزل:
    ١٩ رمضان | - ياطبرة هزت أرڪــان الوجود أيقتل ولي الـلـه في حال السجود !🥀💔
  • غزل من من قلب الغزل ..:
    ضياءٌ شعَّ من أرض المدينة و زُفَّت البشرى لرسول الله (ص) بولادة سبطه الأول الإمام المجتبى (ع).✨💚
  • غزل من قلب الغزل:
    "يارب دائمًا اعطنّي على قد نيتي وسخر لي الأشخاص اللي يشبهون قلبي🌿✨. .
  • غزل من قلب الغزل:
    مارس الرحمة قدر المُستطاع فكلما تلطفت مع خلق الله زاد الله لطفهُ حولك.💐
  • غزل من قلب الغزل:
    اللهم إنك عفوٌ كريمٌ تحب العفو فاعفو عنا ♥️😌
ED4BA6E4-39D5-4715-8D65-740E84D9C2F3.jpeg


معاني ورموز نصب التحرير
بقلم #د_شذى_فرج_عبو

نصب التحرير للنحات العراقي الرائد جواد سليم Jewad Salem 1919-1961 . اقيم هذا النصب عام 1961، في ساحة التحرير بالعاصمة بغداد، العراق. بناءا على اوامر رئاسة الجمهورية لتوثيق احداث الحراك الشعبي لثورة 14 تموز 1958، وتم صبه وتنفيذه بايطاليا وتجميعه لاحقا ببغداد. هذا النصب عبارة عن سجل مُصور بانوراما Panoramaصاغه الفنان جواد سليم بسرد رمزي يروي أحداث تاريخية لهذا الحراك الشعبي. وهو يسرد فيه تفاصل عايشها الشعب قبل وبعد الثورة. باسلوب وطرح مميز لمدرسة الفن العراقي المعاصر التي أُسست آنذاك على يد عدد من الرواد نذكر ابرزهم ( فرج عبو آلنعمان، أسماعيل الشيخلي، حافظ الدروبي، جواد سليم، فائق حسن). وتؤكد هذه المدرسة على مزج الثراث بالحداثة بطابع عراقي فلكلوري مميز، وسم اعمالهم بطابع خاص انبثق من العراق ومنه للعالمية، في نهاية خمسينات القرن العشرين، واستمر بحيوية لثلاث عقود تالية.
ولد جواد سليم في أنقرة، تركيا لعائلة من الطبقة المتوسطة. كان والده محمد حاج سليم ضابطًا عسكريًا في الأصل من الموصل في شمال العراق وكان كان يتمركز في أنقرة وقت ولادة جواد ، لكنه عاد إلى بغداد في عشرينيات القرن العشرين. وكان والدًيه فنانين هاويين، كما أصبح أشقاؤه سعود ونزار، وشقيقته نزيهة جميعًا فنانين.
درس جواد سليم النحت في باريس بمنحة دراسية ، لكن دراسته توقفت بسبب اندلاع الحرب. فانتقل إلى روما، ولكن مرة أخرى توقفت دراسته بسبب الحرب ، مما أجبره على العودة إلى بغداد. في نهاية الحرب ، التحق بمدرسة سليد ، لندن (1946-1948) ، حيث تأثر بشدة بالفنانين الغربيين مثل بابلو بيكاسو. خلال فترة توقف دراسته ، عمل سليم في مديرية الآثار في بغداد، وعين رئيسًا لقسم النحت في معهد الفنون الجميلة في بغداد ، وهو المنصب الذي احتفظ به حتى وفاته. سعى جواد بوعي إلى اكتشاف إمكانيات الجمع بين الزخارف القديمة والفن التجريدي الحديث، الذي لاحظه في أوروبا. شارك اقرانه من الفنانين العراقيين الرواد آنذاك في خلق لغة فنية فريدة للفن العراقي، من خلال تعشيق الحاضر بماضي حضاراته مثل; سومر، وبابل، وآشور، والثراث الاسلامي، ولكن بلغة القرن العشرين. وعلى الرغم من أنه عمل كرسام ونحات ، إلا أنه كان دائمًا لديه مخاوف بشأن ممارسة كليهما في وقت واحد. قرب نهاية الخمسينيات ، اتخذ قرارًا بالتركيز حصريًا على النحت. الا ان وفاته المبكرة اوقفت مشاريعه واطفات جذوة انجازاته الفننية المميزة التي اثرت تراث النحت العراقي.

يتكون هذا النصب الضخم من قاعدة بشكل متوازي المستطيلات المغلفة بالمرمر بعرض 50 مترا. محمولة على قاعدتين تحملاه من الطرفين بارتفاع 15مترا، ليكون معلقا بالهواء مثل الجسر. وتزين واجهته 14 قطعة منحوتة من المصبوبات البرونزية المنفصلة، التي يشكل ابطالها التكوين العام لملحمة الثورة. اذ يرمز عددها إلى يوم قيام الثورة في 14 تموز. تبدأ رواية النصب في تسلسل حركي من يمين الى يساره المشاهد. فنرى التنظيم الانشائي الى أقصى اليمين مبعثراً في اشارة لمرحلة ما قبل الثورة، ويستمر هذا التنظيم في خطى واثقة تزداد تنظيما كلما اتجهنا نحو اليسار. لنجد في منتصف العمل الثائر العراقي بقامته العملاقة المميزة بالغضب والعنفوان وهو يلوي قضبان السجن ويكسر ابوابه، بحركة ذات سيادة مميزة. ثم يتجه التنظيم الانشائي لان يكون اكثر استقرارا نابضاً بالعزيمة والإصرار في اقصى اليسار، حيث مرحلة ما بعد الثورة.
وتطالعنا العديد من التفاصيل الممتعة والمثقلة بالرمزية والتعبير في هذا النصب. فالى اقصى اليمين نجد المعاناة بهيئة جواد متالم يمثل عزة وعنفوان الشعب العراقي، واشخاص معتصمين يحملون رايات التظاهر، وامرأة فقيرة مشحونة بالانفعال والغضب والحزن، تبكي على ابنها الميت وهي ترفعه في اشارة لضحايا الجوع والحرمان، يلحقها طفل يحاول اللحاق بها بجزع. ثم تاتي مرحلة الثورة التي ترتكز في وسط العمل في طرفيه الميمنة والميسرة. فتتجسد معاناة الحرب والشهادة الى يمين الوسط. فيبرز النحات معاناة الامهات ( ألوطن) وألمهن في فقدان الشباب عماد الحياة، من خلال هيئة إمراة باكية تنوح على ابنها الشهيد فلا ثورة بدون شهداء. ولعل هذا الرمز كثير الورود في التاريخ العراقي سواء كان القديم منهُ أم الحديث. ويليه السجين المفكر، المثقف الذي تم اعتقاله في رفض لاحتكار فكره وقلمه واحتجازه. ثم ننتقل للوسط مركز سيادة العمل، فنجد الثآئر المقدام، البطل الضخم في حركة تعبيرية مسرحية درامية، ذات قوة وتاثير بالغين على المشهد البصري في رمزيتهما، ويشكل هذا البطل نقطة التحول. عندما تشرق الشمس ايذانا بالانتعاش والخير في اعلى منتصف العمل، لتبدأ مرحلة التقدم البشري والحضاري للعراق. عندما تنقلب صفحة المعاناة والمأسي لتحل صفحة السلام والازدهار والحرية. وتبدأ هذه المرحلة بهيئة إمرأة ترفع مشعلاً الى يسار الوسط في اقتباسة رمزية أغريقية للحرية ، وهي تندفع نحو محررها. وبعد كل هذا الانفعال يأتي الصفاء، فيتوقف الغضب ومواجع الثورة، وتحل الراحة والسكينة في القلوب. وتتحول بعدها القضبان الحديدية إلى اغصان. ولم ينسى الفنان سليم نهري دجلة والفرات اللذان يعتبران العمود الفقري لحضارة وادي الرافدين. فاشارالى نهر دجلة باشجار النخيل، واما نهر الفرات فترجمه من خلال الخصوبة التي تمثلهما امرأتان، احداهما تحمل سعف النخيل والأخرى حبلى. كما ترد هيئتان لرجلين فلاحين يرمزان إلى العرب والأكراد ، أحدهما في زي سومري والثاني برداء آشوري، وهي رمزية لاتحاد أديان، وشعوب العراق قديما وحديثا. ويتطلع الفلاحين نحو نهري دجلة والفرات ويحملان مسحاة (مجرفة) واحدة. في التعبير عن وحدة شعبي العرب والاكراد في الوطن الذي يعيشان في كنفهِ. كما جسد الفنان الى جانب الجواد رمز عراقي آخر وهو الثور على الطرف المقابل في موازنة جميلة. ويعد حيوان الثور رمزاً سومرياً بتميز يشير للسلطة والقوة والرخاء. كما يظهر البناء والتطور الصناعي في أقصى اليسار على هيئة عامل مفعم بالثقة والقوة والقدرة على الانجاز.
لهذا النصب أثر فريد على المجتمع العراقي على مختلف الازمنة والثورات. حيث يعتبر الشعب العراقي هذا النصب رمزا معبرا عن الشخصية العراقية التي ترفض العبودية والظل، وتسعى للحرية والازدهار. كما يعد رمزا لوحدة الشعب العراقي على مر الزمان بامتياز.
يذكرنا هذا النصب العملاق كثيرا بلوحة الغرنيكا لبيكاسو في السرد التاريخي للمعاناة البشرية للويلات والحروب. وهذا يؤكد ان لغة الفن مشتركة عند البشرية جمعاء . حيث تشترك الفنون في التعبير عن المشاعر والالام الانسانية، كما تعتبر وسيلة لاختزال التاريخ و الزمن وتوثيقه. كما تعكس طبيعة وحضارة الشعوب واساليب تفكيرها ورقيها الثقافي والفني. ونستطيع تلخيص محاور تشابه العملين بالتالي:
1- السرد القصصي لحدث تاريخي لمعاناة شعب.
2- الاستعراض الافقي للاحداث مثل الشريط السينمائي.
3- استعارات ثقافية رمزية للشخوص والرموز الحيوانية.
4- توزيع المشاهد بالعملين يشابه الاخراج السينمائي، في خلق حوار بصري متنوع لمراكز تنتشرعلى مسار العمل.
5- يفتقد العملين للالوان.
6- يتشابه العملين في التعبير الدرامي للالم والمعاناة البشرية والحيوان.
7- يمتلك العملين شخصية البطل في النتصف ، مركز السيادة.


أما نواحي الاختلاف بين العملين فتتمثل في:
1- تروي الغرنيكا قصة دمار ، في حين يروي نصب التحرير قصة انتصار
2- الغرنيكا عمل ثنائي الابعاد في حين ان نصب التحرير ثلاثي الابعاد
3- اختلاف المرحلة الزمنية وجنسية الفنان
4- الحجم نصب التحرير يبلغ اضعاف الغرنيكا بمئات المرات
5- الغرنيكا تسرد الظلام حصرا في حين نجد الفرج في نصب التحرير
6- البطل في مركز السيادة للغرنيكا محطم مهزوم، اما بطل نصب التحرير فهو قوي منتصر


وبهذا يمكن الحكم على تفرد نصب التحرير في اصالة الفكرة وتقنيات التنفيذ، ومهارة توظيف عناصر الفن ومبادئ التصميم ونذكر اهماك التكرار، التنوع، السيادة، التوازن، النسبة والحجم. كا اجاد الفنان تجسيد الفكرة ووحدة المضمون بالرغم من تفاصيل الاحداث والتنوع في التفاصيل. حيث برع جواد سليم في تعشيق الحداثة بالتراث العراقي من خلال طرح اشكال وهيأت بطريقة اصيلة لم ترد من قبل في النحت العراقي. وهذا بحد ذاته تاكيد ايجابي لقيمة العمل فنيا وثقافيا. يضاف لذلك المستوى العالي في تقبل جمهور المتلقي له، وتبنيه باعتباره رمز وايقونة وطنية، وعليه يعتبر هذا العمل محققا لاهدافه بجدارة وتميز.

د. شذى فرج عبو
الدوحة
مايو ٢٠٢١

موضوع ذا صلة:
 

أقسام الرافدين

عودة
أعلى أسفل