وتميزت السياسية الصهيونية – في ظل الانتداب البريطاني – بتوسيع مهام «الوكالة اليهودية». فقد تم استقطاب المنظمات اليهودية غير الصهيونية إلى الوكالة، وركز على المنظمات المتواجدة بالولايات المتحدة الأمريكية.
ونظمت الهجرة العمالية اليهودية نحو فلسطين، وتكلفت المنظمة الصهيونية بإعالة العمال المهاجرين خلال السنة الموالية من إقامتهم. كما تكفل «الاتحاد العام لليهود» (الهستدروت) بتشغيلهم. وتزايدت الهجرات اليهودية.
ومثل الاستيطان الزراعي الدعامة الأساسية للوجود الصهيوني بفلسطين، ومع ذلك لم تبلغ الملكيات الزراعية اليهودية سوى %7 من أراضي فلسطين عند نهاية عهد الانتداب.
ودخل الصهاينة في حركة تصنيع البلاد – على مستوى المستوطنات – حينها منحتهم سلطات الانتداب امتياز مد الكهرباء والبحث عن المناجم والمعادن والحصول على مشروع استغلال أملاح البحر الميت. وهكذا تمكنت، الصناديق القومية اليهودية فيما بين 1918 و 1936 من استثمار ما يقارب 40 مليون دولار.
كما تمكنت الشركات المحلية والأجنبية من توظيف قرابة 200 مليون دولار، استثمر نصفها في النشاطين الفلاحي والصناعي، حيث أنشئت أزيد من 4000 وحدة صناعية ارتفع معها عدد العمال اليهود ليصبح حوالي 3200 عامل.
وللتعجيل بقيام «الوطن القومي اليهودي» استغل الصهاينة تدهور الأوضاع في أوروبا بسبب الاضطهاد والتوسع النازي، وسعوا إلى المزيد من تأييد الرأي العام الدولي لهم بتشجيع هجرتهم والإسراع بتأسيس دولتهم. كما استفادوا من هذا الوضع لتسليح فرقهم (حراس المستوطنات) التي شاركت في الحرب الكبرى إلى جانب الحلفاء تحت اسم «فيلق اليهود». فعجلت كل هذه الظروف بتهييء الجو القيام كيانهم فوق أرض فلسطين.
بعد فشل الانتفاضات الأولى التي قام بها الفلسطينيون على إثر تصريح بلفور وصدور صك الانتداب، وأمام الاقتناع بعدم جدوى العمل السياسي وإخفاق القيادة السياسية التقليدية، ارتأت الحركة الوطنية الفلسطينية نهج العمل المسلح واستعمال العنف لمواجهة تزايد المركز الاستعماري والصهيوني خاصة بعد شروع البريطانيين في تسهيل مأمورية
«الوكالة اليهودية» قصد بناء المستوطنات للمهاجرين وقيام المؤسسات الصهيونية.
وقد أدت كل هذه الأحداث مجتمعة إلى حوادث غشت 1920 المعروفة بثورة البراق أو حائط المبكى التي اتسع نطاقها ليشمل معظم المدن الرئيسية (عكا، نابلس، جنين، غزة …) والتي استخدمت فيها سلطات الانتداب المدافع والطيران ودمرت على إثرها قرى بأكملها، ثم انتهت بتعيين لجنة برلمانية بريطانية للتحقيق
(لجنة شو) وصدور
كتاب أبيض سنة 1930.
إلا أن الحوادث تجددت ما بين 1936 و 1939 حيث وقعت انتفاضة فلسطينية كبرى على إثر توقف العرب عن أداء الضرائب والقيام بإضرابات عامة شملت كل البلاد، ثم تطورت إلى مظاهرات وعمليات مسلحة استهدفت نسف المؤسسات الصهيونية فكان رد فعل المستعمر أقوى عنها، وانتهى بإعلان قرار تقسيم البلاد من طرف لجنة
«ابرل بيل» إلى دولة فلسطينية وأخرى يهودية وجعل القدس والناصرة وطبرية تحت إشراف بريطانيا.
واتسع نطاق العمل المسلح الذي قاده سكان البوادي، فتمكنوا من التسلل إلى المدن الكبرى حيث قاموا بعدة هجومات على قوات الشرطة والجيش والمستوطنات اليهودية، ودمروا خطوط المواصلات. كما نسفوا أنابيب بترول العراق المارة غرب نهر الأردن، وقصدوا بذلك تحويل الوضع إلى ثورة شاملة، حتى يرغموا السلطات البريطانية على التراجع الفوري عن سياستها بشأن التقسيم والهجرة اليهودية. غير أن فقدان توازن القوة بين حركة المقاومة والتحالف البريطاني والصهيوني أدى إلى إجهاض العمل المسلح.
وأمام تدهور الحالة في أوربا نتيجة التوسع النازي، اتخذت بريطانيا عدة إجراءات للتخفيف من حدة التوتر بفلسطين، منها إيقاف الهجرة اليهودية وإعلانها على التراجع عن قرار التقسيم، فأصدرت عوضه كتاب
«ماكدونالد الأبيض» سنة 1939 لترضية الطرفين، أوضحت فيه أنها لا تستطيع أن توافق على كون مراسلات
مكماهون تشكل أساسا عادلا للمطالبة بأن تتحول فلسطين إلى دولة عربية، كما لا توافق على أن تصبح فلسطين دولة يهودية. وباندلاع الحرب العالمية الثانية عرفت القضية الفلسطينية تطورات جديدة.
قيام إسرائيل وارتباطها بالمصالح الامبريالية
أمام تدهور الاقتصاد البريطاني، وتزايد الضغط الصهيوني على سلطات الانتداب بعيد الحرب العالمية الثانية، عرضت بريطانيا القضية الفلسطينية على هيأة الأمم المتحدة التي صادقت على قرار التقسيم يوم 29 نونبر سنة 1947.
قامت دولة إسرائيل على أسس صهيونية توسعية
ما أن انسحبت بريطانيا من فلسطين يوم 14 مايو سنة 1948 حتى تم الإعلان عن قيام
«دولة إسرائيل»، فأسست جيشا منظما ضم حرس المستعمرات
«الهاجانا» وقوامه 62 ألف جندي، وفرقة الصاعقة (البالماخ)، وعصابة
«الأرغون» ثم عصابة
«شتيرن» وهما منظمتان إرهابيتان اشتهرتا بأعمال العنف والتخريب. ورفضت إسرائيل التعايش مع عرب فلسطين وعرب المناطق المجاورة لها. كما ناهضت وجود كل من هو غير يهودي بأرض فلسطين، إيمانا منها بسياسة الانغلاق والتمييز والتفوق العنصري.
واختارت إسرائيل في مرحلة أولى عزل %7 من العرب الباقين بعد سنة 1948، في مناطق ومعسكرات خاصة، أطلقت عليها اسم
«مناطق الأمن» يتولى الأحكام فيها ضابط عسكري، وتجرى فيها الأحكام بموجب
«قوانين الطوارئ والدفاع». وغالبا ما مثل السجن والنفي والإقامة الاجبارية قرارات المحاكم الإسرائيلية، وخضع العرب في هذه المناطق لنظام منع التنقل إلا بإذن من سلطات الاحتلال.